الموضوع: الخلوة مع الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 18-01-2019, 10:41 PM  
محمد عدنان
عضو مميز

 رقم العضوية : 42
 تاريخ التسجيل : 29 Dec 2018
 المـشـاركــات : 206

محمد عدنان غير متواجد حالياً
افتراضي

.
في "سيرِ أعلامِ النُّبلاءِ" في تَرْجَمَةِ (مُسلِمٍ بنِ يسارٍ)
-الإمامِ العَلَمِ الجليلِ-
(استَوْقَفَني) أمرٌ مِنْ صَنيعِ الحافِظِ الذَّهبيِّ..

فقَدْ روى في تَرْجَمَةِ (مُسْلِمٍ) (4/513):
"قَالَ أَيُّوْبُ (السِّخْتيانيُّ): عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ لِي مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ:
"إِنِّي أَحْمَدُ اللهَ إِلَيْك أَنِّي لَمْ أُرْمَ بِسَهْمٍ، وَلَمْ أَضْرِبْ فِيْهَا بِسَيْفٍ." (ويقْصِدُ بِذلِكَ: فِتْنَةَ ابنِ الأشْعَثِ)

قُلْتُ لَهُ (القائلُ أبو قِلابَةَ): فَكَيْفَ بِمَنْ رَآكَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَقَالَ: هَذَا مُسْلِمُ بنُ يَسَارٍ لَنْ يُقَاتِلَ إِلاَّ عَلَى حَقٍّ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ؟

فَبَكَى -وَاللهِ- حَتَّى وَدِدْتُ أَنَّ الأَرْضَ انْشَقَّتْ فَدَخَلْتُ فِيْهَا."

▪ثُمَّ عقَّبَ الذَّهبيُّ بعدَ هذا الأثرِ، بأثرٍ عنْ أيوبَ:

"قَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ -فِي القُرَّاءِ الَّذِيْنَ خَرَجُوا مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ-:
"لاَ أَعْلَمُ أَحَداً مِنْهُم قُتِلَ؛ إِلاَّ رُغِبَ لَهُ عَنْ مَصْرَعِهِ، أَوْ نَجَا؛ إِلاَّ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ"

▪فتَعَجَّبتُ من إيرادِهِ هذا الأثرَ عنْ أيوبَ، وليس فيهِ ذِكْرٌ لصَاحِبِ الترجَمةِ (مُسلمٍ بن يسارٍ) تصريحاً!!

ولَمَّا راجعْتُ ترْجَمةَ (مُسلمٍ) في "تاريخِ الإسلامِ" (2/1169) للذَّهبيِّ أيضاً، وجدتُهُ كرَّرَ ذاتَ الصَّنيعِ، بإيرادِ أثرِ أبي قِلابةَ أولاً، ثُمَّ أثرِ أيوبَ عَقِبَهُ..

▪فوَقَعَ في نَفسي، أنَّ الذَّهبيَّ (كأنَّهُ) أرادَ (التَّنبيهَ) إلى أمرٍ مُهِمٍّ غاية..
يأتي بيانُهُ في النِّقاطِ التاليةِ:

▪(الأولى):
أثرُ أيوبَ السِّختيانيِّ، أثرٌ صحيحٌ، جاءَ بإسنادينِ صحيحينِ، ولفظينِ مُتقاربينِ..
أولُ الإسنادينِ:
في "تاريخِ خَليفَةَ بنِ خيَّاطٍ" (1/287) قالَ:
حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن –ابنُ مهديٍّ- قَالَ نَا حَمَّاد –ابنُ زيدٍ- قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ:
"مَا صُرِعَ أَحَدٌ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ؛ إِلا رُغِبَ لَهُ عَنْ مَصْرَعِهِ، وَلا نَجَا مِنْهُمْ أَحَدٌ؛ إِلا حَمَدَ اللَّهَ الَّذِي سَلَّمَهُ"

وثاني الإسنادينِ:
في "الطَّبقاتِ" لابنِ سعْدٍ (7/188) قالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: ذَكَرَ أَيُّوبُ الْقُرَّاءَ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ، فَقَالَ: «لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ قُتِلَ؛ إِلَّا قَدْ رُغِبَ لَهُ عَنْ مَصْرَعِهِ، وَلَا نَجَا فَلَمْ يُقْتَلْ؛ إِلَّا قَدْ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ»

▪(الثانية):
هَا هُوَ الإمامُ الحُجَّةُ أيوبُ بنُ أبي تميمَةَ السِّختيانيُّ –الذي قالَ فيهِ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: "مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَنصَحَ لِلْعَامَّةِ مِنْ أَيُّوْبَ وَالحَسَنِ".. كما سير "أعلام النبلاء" (6/20)
يُصَرِّحُ –باستقْراءِ العارِفِ الخبيرِ، وتَتبُّعِ المُشاهِدِ المُعاصِرِ البَصيرِ-، بحالِ الخَارِجينَ في (فِتْنَةِ) ابنِ الأشْعثِ، وهُمْ على ضَرْبيْنِ:

أوْلِهما: مَنْ ماتَ في الفِتنةِ.
وثانيِهُما: مَنْ نجَا مِنْها.

فأمَّا الضَّرْبُ الأولُ؛ فقَدْ رَغِبَ العُقلاءُ وأهلُ العِلمِ لهُ عنْ ذلِك المَصْرَعِ، وابْتَأسوا لَهُ لِذلِكَ المَضْجَعِ، وتَمنَّوا أنْ لوْ صُرِعَ في غيرِ ذلِك، وبغيرِ سيفِ الفِتْنَةِ الهالِك.

وأمَّا الضَّرْبُ الثاني، وهُمْ النَّاجونَ مِنْ الخَارِجينَ؛ فقَدْ نَدِموا على خُروجِهِم عِنْدَ اشتِدادِ الفِتَنِ، وتأسَّفُوا علَى بُرُوزِهِم عِنْدَ اصطِلامِ الإحَنِ، وحَمِدوا اللهَ على السَّلامةِ مِنْ المِحْنَةِ، وعَضُّوا الأصابِعَ نَدَماً، وقَرَعُوا الأسْنانَ حَسْرَةً وألَماً.

فإذا كانَ هذا حالُ مَنْ (أخطأَ) وخرجَ، فندِمَ وتَلَجْلَجَ؛
أفَيَصِحُّ (لِعاقِلٍ) ذِي نَصَفٍ، تَجرَّدَ للحقِّ، وتَطَلَّعَ للنَّصَفةِ أنْ يَحتَّجَ بِخروجِهم، على (صَوابِهِ)؟! وبِحُصولِهِ، على جوازِ (تِكْرارِهِ)؟!

▪(الثالثة):
خروجُ (مُسلمِ بنِ يسارٍ) معَ ابنِ الأشْعثِ، لم يكُنْ خروجَ رَغبةٍ ورِضا، بلْ كانَ خُروجَ إكْراهٍ وغَصْبٍ..
ففي "النُّبلاءِ": قِيْلَ لابْنِ الأَشْعَثِ: "إِنْ أَرَدْتَ أَنَّ يُقْتَلُوا حَوْلَكَ كَمَا قُتِلُوا يَوْمَ الجَمَلِ حَوْلَ عَائِشَةَ؛ فَأَخْرِجْ مَعَكَ مُسْلِمَ بنَ يَسَارٍ".. فَأَخْرَجَهُ مُكْرَهاً"

ومَعَ هذا (الإكراهِ) في الخروجِ، معَ ضَميمَةِ أنَّهُ صرَّحَ بِـ(إِنِّي أَحْمَدُ اللهَ إِلَيْك أَنِّي لَمْ أُرْمَ بِسَهْمٍ، وَلَمْ أَضْرِبْ فِيْهَا بِسَيْفٍ) فلمَّا ذكَّرَهُ تلميذُهُ أبو قِلابةَ بمُؤدَّى خروجِهِ، من تأسي العامَّةِ بِهِ؛ اشتدَّ بكاؤُه، وعلا نحيبُهُ..
هذا، وهو مُكرهٌ، ما شارَكَ في القتالِ بيدِهِ..

فمتى يبكي (دُعاةُ) الخروجِ والفتنةِ؟
مِمَّنْ هيَّجَ وحضَّ، وأصَّلَ للخُروجِ واشتَدَ،
وهوَّنَ من شأنِ الدماءِ وسَهَّلَ، وأسْرَعَ الخُطى في (الخطأِ) وما تَمَهَّلَ؟؟!!

متى يبْكونَ؟
ومنابِرُهم كانتْ (كالمَدافِعِ) للخروجِ تُرِزُّ، وصيحاتُهم كانتْ (كالرصاصِ) للثوراتِ تَؤزُّ..

متى يبْكونَ؟
والأمَّةُ قد سالتْ مِنْها الدِّماءُ، ورَكِبَ –فوقَ الأعناقِ منْها- الأعداءُ..

وهلْ يبْكونَ كما بكَى الوقَّافون الخائفون الوَجِلون؟
وهلْ يبْكونَ إذا ذكَّرَهُم المُذكِرون النَّاصِحونَ؟
فليكُنْ في بُكاءِ (مُسلمٍ) لهُم مُدَكَرٌ، وفي نحيبِهِ تذكيرٌ وعِبَرٌ.

▪(الرَّابِعة):
الذي يظهرُ من صنيعِ الذَّهبيِّ المُكررِ في "النُبلاءِ" و"تاريخِ الإسلامِ"..
كأنَّهُ أرادَ أنْ يُنبِّهَ إلى أنَّ (مُسلِماً) مع جلالتِهِ ومكانتِهِ، رجعَ وندِمَ على ما كانَ منْهُ، مِمَّا يؤكِدُ (استقراء) أيوبَ السِّختيانيّ للواقِعِ في تلك الفتنةِ..
فأكدَ كلامَ أيوبَ؛ بِذكرِ حمدِ (مُسلمٍ) لربِهِ، بعدمِ المُشاركةِ..
وبكائهِ حَسْرةً على دمٍ أُسيلَ –فقط- برؤيتِه في الجيشِ دونَ مُقاتلةٍ..

(واللهُ أعلمُ، وعلمُهُ أجلُّ وأعظمُ)










كُتبت بتاريخ 18-01-2019 | الساعة 10:41 PM
رد مع اقتباس